اسم الكتاب: عظماء بلا مدارس
◘ المؤلف:
عبدالله صالح الجمعة.
◘ سنة النشر: 1432هـ
- 2011م.
◘ دار النشر:
دار العبيكان.
◘ الطبعة:
السادسة.
◘ صفحات الكتاب:
334.
صدَر عن
دار "العبيكان" الطبعة السادسة من
كتاب الأستاذ "عبدالله صالح الجمعة":
"عظماء بلا مدارس"، والذي تناوَل
فيه قُرابة 40 ترجمة مختصرة طيِّبة لعددٍ من عظماء التاريخ في مجالات الأدب
والسياسة والاقتصاد، والإعلام والصحافة، والتجارة وتقنية المعلومات، وغيرها، الذين
لَم تُساعدهم الظروف لإتمام مراحل تعلميهم، واستعاضُوا عن ذلك بالتخرُّج من "مدرسة الحياة" الواسعة التي استفادوا من
تجاربها وتقلُّباتها في الوصول إلى ما وَصَلوا إليه من شهرة وثراءٍ، وتقديرٍ بين
مجتمعاتهم، وفي العالم أجمع.
مَن منَّا
لا يعرف "وليم شكسبير" صاحب
المسرحيات الشهيرة في دنيا الأدب، أو الشيخ "أحمد
ديدات" صاحب المناظرات الشهيرة في مقارنة الأديان، أو الشيخ "عمر المختار" المجاهد الليبي ضد الاحتلال
الإيطالي، أو "توماس إديسون" الذي
يُعَدُّ من أشهر المُخترعين في العالَم، أو "بيل
غيتس" أشهر العاملين في مجال تقنية المعلومات، وصاحب ابتكار نظام "ويندوز" الذي أدخَل الحاسوب إلى بيت كلِّ
شخص في وقتنا الحاضر، أو "ونستون تشرشل"
السياسي البريطاني الشهير، كلُّ هؤلاء وغيرهم الكثير لَم يُتموا الكثير من مراحل
تعليمهم، وبعضهم لَم يحصل على أيِّ شهادة جامعيَّة أكاديميَّة في تخصُّصه الذي
برَع فيه بعد ذلك، ولكنَّهم عرَكوا تجارُب الحياة الصعبة، واعتَمَدوا على تطوير
مواهبهم الربَّانية الفِطرية التي حَباهم الله بها، وأحسَنوا استغلال الفرص التي
لاحَت لهم، واستفادوا من هزائمهم وانتكاساتهم المُتكررة؛ الهزيمة تلو الهزيمة،
والانتكاسة تلو الانتكاسة، حتى وصَلوا إلى أُولى خُطوات النجاح، واستطاعُوا حَفْر
أسمائهم في كتاب التاريخ، وأصبَح الناس يَذكرونهم بأنهم عُظماء.
يؤكِّد
الكاتب أنَّ كتابه ليس دعوة إلى تَرْك التعليم والمدارس النظاميَّة، بقدر ما هو
توضيح لطُرق النجاح التي سلَكها مَن تضمَّنهم الكتاب من المشاهير، الذين تخلَّفوا
عن مقاعد الدراسة لسببٍ اجتماعي أو آخرَ، وكيف تغلَّبوا على تلك العَقبة الكبيرة
التي تُواجه مجتمعاتنا العربية اليوم؛ حيث يُعرف الشاب الذي لَم يستطع الحصول على
شهادته الجامعيَّة بأنه متخلِّف عن أقرانه الجامعيين، أو أقلُّ منهم شأْنًا،
والبعض من هؤلاء الشباب يجد حَرَجًا في التصريح بين الناس بشهادته التعليميَّة؛
حيث درَج الناس على الإيهام بأنَّ صاحب الشهادة الجامعية أكثرُ فائدة لمجتمعه
ولنفسه من الحِرَفي، أو المِهَني الذي لَم يَستطع إتمامَ أغلب مراحل تعليمه
الأساسية.
والكتاب
أيضًا دعوة مهمة للاهتمام بتعديل نُظم التعليم المتوارثة في بُلداننا العربية،
التي تَعتمد على التلقين والدراسات النظرية، التي لا تتَّفق مع مطالب المجتمع
العمليَّة المهمَّة، والتي لا تَعتمد سوى على عقليَّة أكاديميَّة تنظيريَّة، دون
تطبيق أمثلة عمليَّة على أرض الواقع؛ يقول "كين
روبنسون" في كتابه: "صناعة
العقل" - وهو استشاري كلَّفته الحكومة البريطانية عام 1997 بإجراء
دراسات عن الإبداع والاقتصاد والتعليم -: "إن السبب الرئيس في هَدْر الطاقات
أثناء فترة التعليم، يَكمُن في العقلية الأكاديميَّة، التي تركِّز على تطوير
الإمكانات المتعلقة بنواحٍ علميَّة معيَّنة دون غيرها، ورَبْط مفهوم الذكاء بهذه
المجالات حَصْرًا؛ مما أدَّى إلى هَدْر كبيرٍ في المواهب والطاقات البشرية، وهذا
ثمنٌ باهظ لَم يَعُد بالإمكان تحمُّله بعد الآن"، ص (19-20).
وهذا الفصل
بين خريجي الدراسة الأكاديميَّة، وما يَحتاجه سوق المجتمع الفعلي، نجد أثره
جَليًّا في المجتمعات الغربية التي وصَلت بها مستويات التعليم إلى مستويات راقية
متطوِّرة، فقد أثبتَت الدراسات أن: "80% من
خريجي الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، يعملون في مجالات لا علاقة لها
بتخصُّصاتهم، وذلك بعد 10 سنوات من تخرُّجهم"، وبالتالي 80% من مخصصات
التعليم العالي في الولايات المتحدة تذهب هَدْرًا، ومنه نجد أنَّ هناك 10 سنوات
تَضيع هَدْرًا من عُمر الخرِّيجين دون إظهار مواهبهم ومَلكاتهم الإبداعيَّة، أو ما
هم بارعون فيه في سوق الحياة العملية، بل إنَّ الباحثين والتربويين في دولة رائدة
في مجال التعليم التطويري مثل بريطانيا - استَنتجوا بعد عشر سنوات من تطبيق منهج
تعليمي، يَعتمد على إقصاء العلوم الإنسانيَّة، والتركيز على الاهتمام بالقراءة
والكتابة، النتائج التالية:
1-
20% من البالغين في بريطانيا، ويتجاوز عددهم سبعة ملايين، لديهم مشكلات حقيقيَّة
في القراءة والكتابة، والتعامل مع الأرقام.
2-
26% من البالغين لَم يتلقَّوا تعليمًا منذ ثلاث سنوات، و22% منهم لَم يتلقَّوا
أيَّ تعليمٍ منذ عشر سنوات؛ أي: منذ أن ترَكوا الدراسة الرسميَّة.
3-
5,7 ملايين شخص ممن هم في سنِّ العمل، لا يَملكون أيَّ مؤهلات.
4- زادَت شكاوى الشركات من أنَّ أنظمة التعليم لا تَفي
بمتطلباتها، ولا بمتطلبات أساليب العمل الجديدة.
ولهذا نجد
دولاً أوروبيَّة عريقة - مثل ألمانيا - اهتمَّت بتطوير التعليم الفني "الصناعي" في مقابل التعليم الأكاديمي
النظري، وأعْطَته نفس الأهميَّة والرعاية المؤسسيَّة؛ لتخريج جيل جديدٍ يفي
بمتطلبات المجتمع الألماني من الحِرَفيين والمِهَنيين، كحلٍّ لتلك المشكلة
المُزمنة التي لا يُجدي معها تطوير التعليم حلاًّ، بل يؤكِّد أغلب الخُبراء
والتربويين أنَّ تغيير مناهج التعليم بالكامل، هو الحل الوحيد والحيوي لمصلحة
المجتمع في القرن الجديد.
ووضَّح
الكاتب أنَّ تلك الفكرة ليست وليدة اليوم، بل انتَبَه لها الكثير من الباحثين
التربويين والإصلاحيين، حتى إنَّ الفيلسوف الفرنسي الشهير "جان جاك روسو" في عصره دعا إلى إغلاق المدارس
التلقينيَّة، والعودة إلى التعليم الفطري الطبيعي، واعتَبَر روسو أنَّ المدارس
التلقينيَّة تُقوِّض مدى التخيُّل وتُؤَطِّره، ويُوافقه في ذلك الرأي "إيفان إيليش" في كتابه الشهير "مجتمع بلا مدارس"؛ حيث يدعو إلى تخليص
المجتمعات البشريَّة من المدارس؛ لأنها تحدُّ من الإبداع، وأنَّ النابغين في
التعليم - أنفسهم - "يأتي نبوغُهم على رغم من
المدارس، لا بسببها"، ص 17.
كاتب
الكتاب - موضع العرض - هو الأستاذ عبدالله بن صالح الجمعة، وُلِد في مدينة الرياض
عام 1987م، ودرَس القانون في كلية الأنظمة والعلوم السياسيَّة بجامعة الملك سعود،
وصدَر له كتابان يُعَدَّان من أعلى الكتب مَبيعًا في سوق النشر بالمملكة العربية
السعودية، وهما: "عظماء بلا مدارس"،
و"أيتام غيَّروا مجرى التاريخ".
وصْف الكتاب:
قام الكاتب
بالتصدير لكتابه بفَصْلٍ تقديمي بعنوان: "لماذا
هذا الكتاب؟"، وضَّح فيها منهجه الذي اعتمَد عليه في اختيار ترجماته؛
حيث وضَع معيارين يجب توافُرهما في حياة المترجَم له؛ لكي يتضمَّن الكتاب سيرة
حياته:
1-
أن يكون الشخص قد تخلَّف عن أقرانه في المدرسة لأيِّ سببٍ كان؛ حيث المتعارَف عليه
اجتماعيًّا أنَّ النهاية المقبولة للدراسة هي المرحلة الجامعية، ومَن لَم يُكمل
تعليمه الجامعي، يُعتبر متخلِّفًا عن أقرانه تعليميًّا.
2-
أن يكون للشخص شهرة واسعة، أو آثارٌ باقية، أو أموال طائلة أكْسَبته تلك العَظمة،
بشرط أن يَبني تلك العظمة بنفسه، دون تدخُّل عواملَ خارجيَّة، كالنَّسَب،
والوراثة.
وجاءت ترجمات الكتاب كالتالي:
1-
أغاثا كريستي.
2-
بيل غيتس.
3-
أوبرا وينفري.
4-
ميخائيل كلاشينكوف.
5-
مايكل ديل.
6-
عبدالرحمن الجريسي.
7-
الشيخ أحمد ديدات.
8-
ونستون تشرشل.
9-
العلامة محمد ناصرالدين الألباني.
10-
علامة الجزيرة حمد الجاسر.
11-
أدولف هتلر.
12-
إرنست همنغواي.
13-
عباس محمود العقاد.
14-
جابرييل غارسيا ماركيز.
15-
وليام شكسبير.
16-
محمود سامي البارودي.
17-
باولو كويلهو.
18-
عمر المختار.
19-
مالكوم إكس.
20-
العلامة أبو الأعلى المودودي.
21-
مصطفى الرافعي.
22-
إسحاق نيوتن.
23-
الأخوان رايت.
24-
إيليا أبو ماضي.
25-
توماس إديسون.
26-
غريغور مندل.
27-
جيمس واط.
28-
رفيق الحريري.
29-
كاليب برادهام.
30-
شونغ جو- يونغ.
31-
انغفار كامبراد.
32-
روزا باركس.
33-
تيد تيرنر.
34-
جورج إيستمان.
35-
سيكيرو هوندا.
36-
ريموند كروك.
37-
لارس أريكسون.
38-
أندرو كارنيجي.
39-
ريتشارد برانسون.
40-
سليمان بن عبدالعزيز الراجحي.
41-
ليو تولستوي.
42-
غوليلمو ماركوني.
43-
جان جاك روسو.
44-
هارلاند ساندرز.
وختَم
الكاتب مؤلَّفه بثَبَتٍ للمراجع التي اعتمَد عليها في كتابة ترجمات كتابه،
واستفادَ منها في تصنيف ترجمات الكتاب.
وهذا عَرْض لبعض ترجمات الكتاب:
أ- أجاثا كريستي (1890 - 1976م):
تُعتبر
أجاثا كريستي أشهر كُتَّاب القَصص البوليسيَّة على مرِّ التاريخ، وهي أكثر كاتبة
بريطانية يُقَرأ لها، يَليها الكاتب الأكثر شهرة وليم شكسبير؛ كما أعْلَنت ذلك
منظمة اليونسكو، وقد تَمَّ طَبْع مؤلَّفاتها وقَصصها إلى ما يُقارب أَلْفَي مليون
نسخة لأكثر من لغة، ولُقِّبت بالعديد من الألقاب؛ منها: "سيدة
الرواية البوليسية"، و"كاتبة
الجريمة الأولى"، و"سيدة
الأسرار"، و"سيدة الموت".
وُلِدت
كريستي في مقاطعة "ديفون" بجنوب
إنجلترا عام 1890م، ولَم تَذهب أجاثا قطُّ إلى المدرسة، بل تَلَقَّت تعليمها على
يد أُمِّها في المنزل كما هو مُتَّبع حينذاك، ومن المفارقات العجيبة أنَّ أجاثا
كانت تُعاني في صِغَرها من صعوبة في فَهْم قواعد اللغة، وتَهَجِّي الحروف.
ويُعَدُّ
لوالدة أجاثا الفضلُ الكبير في تنمية مَلكة الكتابة والتأليف لديها؛ إذ شجَّعتها
عليها في وقت مُبكِّر من حياتها، عندما كانت مريضة بالفراش نتيجة نزلة بردٍ،
فاقْتَرَحت عليها أن تتغلَّب على المَلل، عن طريق كتابة قصة قصيرة في فراشها،
وبالرغم من أنَّ محاولات أجاثا الأوليَّة كانت ساذَجة، ووصَفتها أجاثا نفسها بأنها
"قابضة للصدر"، فإنها استمرَّت في
كتابة قَصصها ومقطوعاتها الشعرية، حتى قامت بكتابة أُولى رواياتها المُكتملة، وهي
رواية "ثلوج على الصحراء"، التي لَم
تَلق إعجاب الناشرين، ففكَّرت في أن تكتبَ رواية بوليسيَّة مُلْغِزة، وقامت بكتابة
رواية "القضيَّة الغامضة في ستايلز"،
التي رفَضها ستة ناشرين قبل أن يَقبلها الناشر السابع على مَضضٍ، وبهذه الرواية
بدَأَت أجاثا أُولى خُطواتها في عالم "الرواية
البوليسيَّة"؛ حيث وصَل عدد رواياتها التي قامَت بكتابتها ونَشْرها
ولاقَت نجاحات قويَّة بعد ذلك في قَصص الجريمة والألغاز: سبعًا وستين رواية طويلة،
وعشرات القصص القصيرة التي نُشِرت في ثلاث عشرة مجموعة، إلى جانب ست عشرة مسرحية،
أشهرها "مصيدة الفئران"، التي
استمرَّ عرْضُها لسنوات طويلة، وبذلك تُعَدُّ بجدارة أطول المسرحيات عَرْضًا في
التاريخ، إلى جانب ستِّ روايات رومانسيَّة، كتبَتها أجاثا باسمٍ مستعار، هو "ماري ويستماكوت".
وساعَد
أجاثا في تلك الرحلة الطويلة من التأليف أمران؛ أولهما: هو تطوُّعها للعمل في
بداية حياتها بالتمريض؛ حيث كانت تقوم بتحضير وتركيب الأدوية، وتعرَّفت في ذلك
الوقت على السموم وتراكيبها؛ مما كان له أثر بالغٌ في كتاباتها عن الجرائم؛ حيث
سيَخرج القارئ لروايات أجاثا بحصيلة جيدة من المعلومات الطبيَّة والعقاقير،
والسموم وأضرارها.
الأمر
الثاني: هو زواجها الثاني من عالِم الآثار الشهير "ماكس
مالوان"، الذي أتاحَ لها زيارة معظم بلدان الشرق الأدنى، مثل: العراق
والشام، ومصر وبلاد فارس، وغيرها، وشارَكت معه في بعثات التنقيب عن الآثار في تلك
البُلدان؛ حيث استَوْحَت بعض عناوين رواياتها من خلال زياراتها العديدة لتلك
البلدان، ومنها: "موت على النيل"، و"لقاء في بغداد"، و"جريمة في بغداد"، و"جريمة في قطار الشرق"، والتي تُعَدُّ من
أشهر رواياتها.
وتتميَّز
قَصص أجاثا بقدرٍ كبيرٍ من الغموض والإثارة التشويقيَّة، وحَبكة قويَّة للغاية في
مجال الألغاز والخِداع؛ حيث إنَّ مَن يقرأ رواياتها، ويُحاول استنتاج الحلَّ قبل
النهاية، يُصدم عند آخر صفحة من الكتاب؛ من تناقض تفكيره مع الحلِّ المنطقي الذي
أوجَدته أجاثا في النهاية؛ ليقول تلك الجملة المشهورة التي نبَّه عليها أغلبُ مَن
قرَأ روايات أجاثا: "هه! كيف لَم أنْتَبه
لهذا؟!".
ويُعَدُّ
ذلك التعليم الأَوَّلي الذي لقَّنته والدة أجاثا لها، من أهم العوامل التي أفسَحت
عنصر الخيال بعقل أجاثا؛ حيث أخرَجت لنا ذلك القدر الكبير من القَصص المُلغزة التي
تَعتمد على الحِيلة والأسلوب المشوِّق الغامض، وبأسلوب سَلس جعَل للرواية
البوليسية مكانتها الرائدة في عالم الأدب، إلى جانب تميُّز كتاباتها بالغَور في
أعماق النفس البشرية، وتحليل كوامنها ودوافعها، مع يُسر لُغتها وسلاستها، ونظافة
رواياتها من كلِّ ما يَخدش الحياء، أو يُثير الغرائز، وهذا ما يُفسِّر لنا ذلك
الانتشار الرهيب لرواياتها ومَبيعاتها الهائلة التي تَعَدَّت ملايين النُّسخ حتى
وقتنا الحاضر.
ب- ميخائيل كلاشينكوف (1919-....):
مَن منَّا
لا يعرف الكلاشينكوف؟ ذلك السلاح الغني عن التعريف، ذلك السلاح الذي يَحتفظ منذ
نصف قرن بمكانته وصدارته بين الأسلحة الخفيفة في عالم الحروب، ذلك السلاح الفعَّال
الذي يحمل اسم صاحبه الروسي ومُخترعه: ميخائيل كلاشينكوف.
وُلِدَ
كلاشينكوف عام 1919 لعائلة روسيَّة فقيرة تعمل بالزراعة، وكان إخوانه الستة ووالده
ووالدته، يمارسون الزراعة التي لَم تَستهوِ كلاشينكوف وقتها، والذي كان جلُّ
اهتمامه الميكانيكا وحبُّ ممارستها، وقد حاوَل ميخائيل منذ بداياته صُنْعَ دراجة
هوائيَّة، وأيضًا صُنْع آلة ميكانيكية زراعية، تُخفِّف العَناء عن أبيه وإخوته في
مجال الفلاحة، ولكنَّه لَم يَنجح؛ لعدم توفُّر الأدوات الضرورية، ثم عانَت أُسرته
- كأغلب سُكان مقاطعته - من الاضطهاد والتهجير إلى سيبيريا في عهد الاتحاد
السوفيتي، فهام على وجْهه ورفَض النفي إلى سيبيريا مع أُسرته، ونتيجة لتلك الظروف
الصعبة، لَم يستطع حتى إكمال أُولى مراحله المتوسطة تعليميًّا، واكتفى بالالتحاق
بفِرَق "الشبيبة الشيوعية: الكومسمول"،
التي مكَّنته من العمل في محطة للسكة الحديدة؛ حيث كان يتسلَّل خُفيَة إلى "الورش" الملحقة بالسكة الحديدية، ويُحاول
تنفيذ اختراعاته التي كان يرسمها على وُرَيْقات يسيرة، ويُعَدُّ اندلاع الحرب
العالمية الثانية نقطةَ التحوُّل في حياة ميخائيل؛ حيث اشتَرَك فيها كلاشينكوف،
وأُصيب بجروح طفيفة وقتها، وفي المستشفى سَمِع من الجنود عن تطوُّر الألمان
واستخدامهم سلاحًا فريدًا، متطورًا ودقيقًا، تسبَّب في إصابة العديد من الجنود
الروس؛ يقول كلاشينكوف: "عندها تحوَّلت أفكاري
من صناعة آلة زراعيَّة تُعيل والدي، إلى سلاح فردي أكثر تطوُّرًا من ذلك السلاح
الألماني، ويُحقِّق لنا النصر في الميدان".
عكَف
كلاشينكوف على دراساته، وبدَأ تنفيذ رسوم أوَّليَّة للبندقية الآلية التي يَرغب في
اختراعها؛ حيث كان يتسلَّل إلى "الورشة"
الفنيَّة التابعة لمحطات السكك الحديدية؛ لتنفيذ رسوماته، وبسبب هذا تَعرَّض للسجن
ثلاث مرات؛ حيث كان ممنوعًا وقتها دخولُ "الورش"
الفنية لغير المُختصِّين.
وفي عام
1949 عرَضت وزارة الدفاع السوفيتية على المُخترعين طلقة نارية من عيار 7,62 ملم؛
لتصميم بندقية آليَّة ترمي مثل هذه الطلقة، فانتهَز كلاشينكوف الفرصة، وقام بتطوير
رسوماته السابقة؛ لتنفيذ تلك البندقيَّة التي حازَت إعجابَ الخُبراء على الفور،
وتعجَّبوا من أنَّ جنديًّا عاديًّا سابقًا في الجيش الأحمر، استطاعَ تصنيع مثل هذا
السلاح المُعقَّد، واعْتُمِدت بندقية كلاشينكوف للاستعمال في الجيش الأحمر، وكذلك
جيوش "حلف وارسو"، بعد أن أثبَتت
فعالية فائقة في مجال القتال والتصويب.
دخَل
كلاشينكوف التاريخ من أوسع أبوابه، إذ أُجريتْ أكثر من عملية تطوير على أصل سلاحه
بعد ذلك في أكثر من دولة، وأصبَح الكلاشينكوف من أكثر الأسلحة انتشارًا واستعمالاً
في عمليات القتال، وصارَت جيوش 55 دولة تَستخدم هذا السلاح بتصميماته المختلفة، بل
ودخَل في أعلام وشعارات ستِّ دول، منها على سبيل المثال: موزمبيق، ونالَ كلاشينكوف
نفسُه جائزة ستالين - وهي أرفع جائزة كانت تُمنح في الاتحاد السوفيتي - ونالَ
جائزة لينين عند اختراعه لطلقات من عيار 45,5 ملم، وشغَل منصب عضو المجلس السوفيتي
الأعلى منذ 1953 ولمدة ستِّ سنوات متتالية، ولُقِّب بألقاب عديدة؛ منها: الأسطورة،
والمهندس، والدكتور.
جـ - كاليب برادهام (1867- 1934م):
يُعَدُّ
هذا الاسم غير المشهور، صاحب واحد من أهم الاختراعات التي غزَت حياتنا الحديثة،
وصارَت جزءًا من نَمط حياتنا الحاليَّة، ألا وهو "المشروبات
الغازية"، مَن منَّا لَم يتذوَّق طعم "البيبسي"؟!
هذا المشروب
المُرطِّب الذي انتشَر في 195 دولة في مختلف أنحاء العالم بسرعة البَرق، كلُّ هذه
الشهرة والانتشار تعود إلى صيدلي مغمور اسمه "كاليب
برادهام".
كان "برادهام" في صيدليته يُحاول أن يُركِّب
دواءً لمعالجة سوء الهضم، وإذا به يكتشف شرابًا لذيذًا ومُرطِّبًا، من خَلْط ماء
الصودا مع شراب بنكهة الفواكه، كان عمر برادهام وقتها 22 عامًا، وكان شابًا فقيرًا
بائسًا اضْطُرَّ إلى تَرْك الجامعة قبل أن يتخرَّج من جامعة "ميريلاند الطبيَّة"؛ لإفلاس والده،
فاضطرَّ إلى التحوُّل إلى التدريس في بداية الأمر، ثم عزَف عنه، وبدَأ في الاتجاه
لمجال الصيدلة، واشترى صيدليَّة، وبدَأ في مواصلة أبحاثه في تحضير الأدوية
والعقاقير التي لَم يَستطع استكمال دراسته الجامعيَّة فيها.
بدأ
برادهام في تقديم مشروبه إلى زبائن الصيدليَّة، على أنه شراب مُنعش في أيام الحرِّ
الشديد، وقام بتطوير خلطته؛ حيث كوَّنها من خلاصة نبتة الكولا والفانيليا، إضافة
إلى زيوت نادرة، وأطلَق عليها في البداية اسم (شراب براد)، وسَرعان ما ازداد عددُ
زبائنه، وبدؤوا يطلبون هذا المشروب بكثرة، فقرَّر أن يُطلق عليه اسم "بيبسي كولا"؛ لأنه حسب وجهة نظره، يُعالج
مرض سوء الهضم الذي يعرف بـ(Dyspepsia).
بدَأ
برادهام في تطوير خَلطته السحرية من شرابه؛ لتحسين الطعم، ثم قام بحملة إعلانيَّة
عنه، وبدَأت المبيعات في الارتفاع بسرعة جنونيَّة؛ مما جعَله يَقتنع بضرورة فتح
شركة خاصة بتسويق شرابه والتخلي عن الصيدلة مؤقَّتًا، وفي عام 1902 أُسِّست أوَّل
شركة "بيبسي كولا"، وكان مقرُّها
الغرفة الخلفية بصيدلية برادهام، وتقدَّم ببراءة الاختراع؛ ليُسجل اختراعه باسمه
كماركة مسجلة؛ حيث بدَأ في تعبئة الشراب في قواريرَ صغيرة وبَيْعها؛ لتكون في
متناول الجميع في المدن الأمريكيَّة، واستطاع كاليب عام 1903 بَيْع 7968 جالونًا
من بيبسي، وكانت دعايته آنذاك تقول: "مُنعش،
مُقوٍّ، هاضم"، وزادَت امتيازات شرابه الذي بدَأ في بَيْعه في علب
معدنيَّة وزجاجات خلال عام 1903، والأعوام التالية، وفي عام 1909 افتَتَح برادهام
فرعًا جديدًا لشركته في مدينة "نيوبرن"
الأمريكية، وفي عام 1910 أصبَح لبيبسي كولا فروع في 24 ولاية أمريكيَّة، وارتَفَعت
مبيعات الشركة لتبلغ 100,000 جالون في السنة.
وبالرغم من
الأزمات العديدة التي مرَّت بها شركة "بيبسي
كولا"، خلال أزمة الحرب العالمية الأولى والثانية، وتعرُّض برادهام
للإفلاس أكثر من مرة للظروف الاقتصادية المتأزِّمة - فإنه قد عاوَدت شركة "بيبسي كولا" دورَها الريادي بين شركات
المُرطبات الغازية التي انتشَرَت بكثرة بعد نجاح شراب برادهام، وحقَّق برادهام
مكاسبَ خياليَّة من شرابه المرطب الذي لَم يكن يَحلم بكلِّ تلك المكاسب الهائلة من
ورائه.
تُعتبر
شركة "بيبسي" العالميَّة حاليًّا من
أفضل الشركات في العالم، وترتيبها 21 في الشركات الـ500 الأوائل في الولايات
المتحدة الأمريكيَّة، وتَمتلك بيبسي مطاعم "بيتزا
هت"، و"كنتاكي"، وسلسلة
مطاعم "تاكوبيل".
د- عبدالرحمن الجريسي (1932-....):
يتيم بسيط،
لم يستكمل مراحل تعليمه الأساسية، لكنه استطاع بكدِّه ومجاهدته ومثابرته إنشاء
إمبراطورية مالية تمتد من الأجهزة الكهربائية، مرورًا بالأثاث والعقارات، وصولًا
إلى البنوك!
ترك
عبدالرحمن الجريسي الدراسة بعد أن أتمَّ المرحلة الخامسة الابتدائية، وعمل وهو في
الرابعة عشرة من عمره في محل الشيخ عبدالعزيز ابن نصار بالرياض، وعمل لديه أحد عشر
عامًا حيث تدرج في مهام عمله وصارت له إدارة المحل وكبر حجم راتبه.
وفي عام
1378هـ، فكر الجريسي في الاستقلال بعمله التجاري، وأنشأ مؤسسة "بيت الرياض" لبيع أثاث المنازل بمشاركة
تاجر معه، وكانت هذه هي بدايته الحقيقية، ورغم أن الجريسي عانى من الخسائر
المتتالية في بداية علمه التجاري؛ إلا أنه بمثابرته وبعد استقلاله - بمفرده -
بملكية مؤسسته التجارية عام 1382هـ استطاع الانتقال من نجاح إلى نجاح، وتضخمت
مؤسسته التجارية، وتكاثرت أرباحها بشكل كبير، وبداية من عام 1413هـ بدأ في إنشاء
فروع لشركته في أنحاء المملكة العربية السعودية وبلغت أكثر من إحدى عشر فرعًا،
تعمل في مجالات التقنية والكمبيوتر وأثاث المكاتب ومستلزماتها التي يصنعها محليًا،
بل إن مؤسسته توسعت خارجيًا، وأُنشأ فرعان لها في قبرص، وآخر في الكويت، وأيضًا
قام الجريسي بإنشاء شركة تعمل في مجال الخدمات والمعدات الطبية كسابقة له في توسيع
مجالات شركته التجارية والخدمية.
يعد
الجريسي صاحب أول مؤسسة تبيع الحواسب في المملكة، وتبلغ ثروته حاليًّا ما يقارب
ملياري دولار، وشارك - عن طريق مؤسسته التجارية - في العديد من الغرف التجارية
والصناعية، وكذلك بالعديد من المجالس واللجان المصرفية والاقتصادية، وشغل منصب
رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض منذ عام 1431هـ، إلى جانب حصوله
على المركز الأول في استفتاء (الاقتصادية) لأبرز رجال الأعمال السعوديين في عام
1995م.
ورغم أن
الجريسي لم يستكمل مراحل تعليمه الأساسية في مطلع حياته، إلا أنه تدارك قصوره
التعليمي وقام بالحصول على دورات في إدارة الأعمال والحاسب بالإضافة إلى دورات
لدراسة اللغتين الإنجليزية والإيطالية، وقد منحته جامعة "كينزنجتون
يونيفرسيتي أوف هاواي آند كاليفورنيا" الدكتوراه الفخرية في فلسفة
الاقتصاد عام 2000م.
وللأستاذ
عبدالرحمن الجريسي العديد من الإسهامات في مجال التكافل الاجتماعي والأعمال
الخيرية، حيث عرف عنه اهتمامه بدعم المؤسسات الفلسطينية، خاصة التعليمية منها،
ودعم بناء وتجهيز كلية التجارة والاقتصاد بجامعة بيروت والتي افتتحت عام 1993م،
إلى جانب العديد من إسهاماته وتبرعاته بين أبناء المجتمع السعودي.
حقق
الجريسي العديد من النجاحات في مجال التجارة وإدارة الأعمال بجهد ذاتي يسبقه توفيق
إلهي، ولم يعقه قصوره التعليمي أو ظروفه الاجتماعية والاقتصادية الصعبة عن تغيير
واقعه، وصناعة إمبراطورية مالية تحمل أهم معالم النجاح من الجد والمثابرة والطموح
والصبر، صنع بها اسمه في المملكة العربية السعودية.. وبالعالم العربي.
شاركنا رأيك وكن اول من يقوم بالتعليق :)[ 0 ]
إرسال تعليق
نسعد بالتعليقاتكم